غداً تُبكيك الأمة بأسرها .. وداعاً يا سيد المقاومة

بقلم : ضـــرغام الصحـــــاف

في زمنٍ انحنى فيه الكثيرون أمام جبروت القوى العظمى، وارتعدت فيه فرائص الحكّام من تهديدات الطغاة، برز رجلٌ شامخٌ كالطود، ثابتٌ كالجبل، لا تهزّه العواصف ولا تنال من عزيمته المحن. إنه السيد حسن نصر الله، زعيم المقاومة الذي قهر الظلم وكسر قيود الذلّ، ورفع راية الكرامة في وجه أعتى الطغاة.

ليس مجرد قائدٍ سياسي، ولا زعيمٍ شعبي، بل هو رمزٌ للصمود والمقاومة، رجلٌ صاغه الإيمان وجبلته العقيدة، فكان بحقّ صوت الحقّ في زمنٍ كثرت فيه أبواق الباطل. حمل أمانة الدماء الطاهرة للشهداء، وسار على دربهم، لا يخشى في الله لومة لائم، ولا يساوم على مبادئه ولو كلفه ذلك حياته.

منذ بزوغ نجمه في سماء المقاومة، أدرك الأعداء أنهم أمام رجلٍ لا يُشترى، ولا يُهدد، ولا يُطوّع. فكان شوكةً في حلق المحتل، وعقدةً في منشار الطغاة. قاد المقاومة بحنكة القائد ورؤية الحكيم، فحوّل أرض لبنان إلى مقبرةٍ لأوهام الغزاة، ولقّن العدو دروسًا في فنون القتال والإباء.

كيف لا، وهو من وقف بصلابةٍ أمام أعتى جيوش العالم، وأذلّ آلة الحرب الإسرائيلية التي طالما تبجحت بتفوقها. في عام 2006، حين حاول العدو كسر إرادة الشعب اللبناني، ظنًّا منه أنه قادرٌ على فرض شروطه، وقف السيد حسن نصر الله شامخًا، وصدح بكلماته التي لا تزال ترنّ في أسماع التاريخ: “ما بعد حيفا وما بعد بعد حيفا”.

بهذه الكلمات، رسم معادلةً جديدةً في الصراع، وأكد أن زمن الهزائم قد ولّى، وأن زمن الانتصارات قد بدأ. لم يكن مجرد تصريحٍ إعلامي، بل كان وعدًا صادقًا، نفّذه رجال المقاومة ببطولاتهم وتضحياتهم، فكانت ملحمة تموز التي غيّرت وجه المنطقة، وأرغمت العدو على الانسحاب دون قيدٍ أو شرط.

لكن عظمة هذا القائد لا تكمن فقط في قوته العسكرية أو صلابته في المواجهة، بل في حكمته السياسية وحنكته الاستراتيجية. استطاع أن يجمع بين الصلابة في الميدان والدبلوماسية في السياسة، فكان محاورًا ذكيًا، وقائدًا يجيد قراءة موازين القوى، ويعرف متى يصعّد ومتى يفاوض.

لم يتوانَ يومًا عن نصرة المستضعفين في كل مكان، فكان صوته صوت الحقّ الذي يدافع عن قضايا الأمة، من فلسطين إلى اليمن، ومن العراق إلى سوريا. لم تكن فلسطين مجرد شعارٍ يُرفع في المناسبات، بل كانت عقيدةً راسخةً في وجدانه، وقضيةً مركزيةً لا يساوم عليها.

لقد حاول الأعداء تشويه صورته، وتآمروا عليه بشتى الوسائل، من حملاتٍ إعلاميةٍ مغرضة، إلى حصارٍ اقتصاديٍ ظالم. لكنهم فشلوا، لأنه ببساطةٍ كان أقوى من مؤامراتهم، وأنقى من افتراءاتهم. كان صدقه مع شعبه سلاحه الأقوى، وكان إيمانه بقضيته سرّ صموده وانتصاره.

السيد حسن نصر الله لم يكن يومًا قائدًا عاديًا، بل كان رمزًا للكرامة والعزة، ومعلمًا في مدرسة المقاومة. علم الأجيال كيف يكون الصمود، وكيف يكون النصر عندما تتوحد الإرادة ويصدق العزم.

سيبقى اسمه محفورًا في صفحات التاريخ بأحرفٍ من نور، وسيظلّ رمزا للمقاومة التي هزّت عروش الطغاة، وأعادت للأمة كرامتها. هو الشهيد الحيّ في ضمائر الأحرار، والقائد الذي لا يموت، ما دامت هناك قضيةٌ تُدافع عن الحق، ومقاومةٌ تُقاتل من أجل الحرية.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى