من كلية الإعلام إلى سائقة كيا “حمل”.. سُجنت 3 مرات وينبذها أقرانها
بصرياثا نيوز – بابل
لأول مرة في تاريخ محافظة بابل والعراق، تصبح سيدة لديها شهادة في الإعلام سائقة “كيا حمل”، تنقل وتبيع البضائع والأغذية في أسواق مدينة الحلة منذ ساعات الفجر الأولى وحتى الليل، عبر 5 شفتات (وجبات) في اليوم، لتعيل عائلتها المكونة من 5 أخوات وأمها.
أسيل طه الموسوي (27 عاماً)، سيدة من محافظة بابل (85 كلم جنوبي العاصمة بغداد)، تمكنت من تقديم نفسها كنموذج إيجابي لجميع أقرانها، بتجاوز المحن التي عاشتها منذ نعومة أظافرها بالعزيمة والإرادة حتى أصبحت أول إعلامية تعمل سائقة “كيا حمل” في العراق، متحدية الأعراف والتقاليد بشغف وإصرار في قطاع يهيمن عليه الذكور.
وتواجه النساء في وسط وجنوب العراق صعوبات في إيجاد فرص العمل رغم كفاءتهن ونيلهن شهادات أكاديمية عليا، وتتمثل تلك التحديات بالظروف البيئية والعائلية، فما يزال المجتمع لا يتقبل عمل المرأة، ويرى فيه نوعاً من “الخزي والعار”.
وتسعى النساء العراقيات، إلى الاعتماد على أنفسهن في جوانب الحياة المختلفة، وخاصة في قطاع العمل، ليساعدن عائلاتهن في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يشهدها البلد، وسط دعوات لتمكينهن اقتصادياً واجتماعياً وقانونياً وسياسياً وقيادياً أيضاً.
أسيل الموسوي، تحدثت في مقابلة صحفية تابعتها “بصرياثا نيوز”، عن رحلة معاناتها التي بدأت وهي ما تزال في سنواتها الأولى من حياتها بعد انتقالها مع أسرتها إلى الأردن وتخلي الأب عنهم.
عائلة أسيل، كانت تشكو الفقر، فلم تكن تجد ما تأكله، حتى شقت أسيل طريق العمل وهي في سِن الخامسة من عمرها، تقول: “كنتُ فور خروجي من المدرسة – إبان دراستها الابتدائية – أحمل على ظهري كونية (أكياس كبيرة) وأبدأ بجمع القواطي (علب معدنية خاصة بالمشروبات) والخبز اليابس القديم، وتم اعتقالي 3 مرات بسبب هذا العمل، حيث تمنع عمان عمالة الأطفال”.
وأضافت: “كنتُ في المرحلة الابتدائية منبوذة من قبل الأطفال الآخرين، رغم أنني كنتُ شاطرة (متفوقة في الدراسة)، لكن نظراً لعملي في جمع (القواطي) كانت هناك طبقية في المجتمع الأردني، وظاهرة حتى على الأطفال، لذلك عانيتُ من هذه النظرة المجتمعية وإلى الآن ما زلت أعاني من آثارها”.
وبعد وصول أسيل، إلى سِن البلوغ، بدأت تتعرض لـ”كلام غير لائق” عند تجوالها في الشوارع بحثاً عن (القواطي)، لذلك قررت استئجار سيارة حمل صغيرة لبيع الخضروات في داخل المناطق السكنية، وفي الوقت نفسه كانت تجتاز المراحل الدراسية بتفوق، وحصلت على (الإعفاء العام) في الدراسة الثانوية.
وتابعت: “في مرحلة الثالث متوسط عدتُ إلى العراق وتمكنت من تحقيق معدل 93٪، لكني واجهتُ صعوبة في العمل بالعراق، لذلك قررتُ العودة إلى العاصمة الأردنية للعمل وإكمال الدراسة فيها، وفعلاً تم ذلك حيث التحقت بجامعة (الزرقاء) ودرستُ الصحافة لأني رغبت في نقل مظلومية المواطنين وما يعانوه، لأني شعرتُ بذلك منذ طفولتي”.
أما عمل أسيل، خلال دراستها الجامعية، فقد استأجرت سيارة (كوستر) تذهب بها إلى الكلية وفي الوقت نفسه تنقل بها الطلاب (خط طلابي)، وكانت هذه الكوستر تعود لرجل مسيحي يدعى صبحي، بحسب قولها.
وعن عودتها النهائية إلى العراق، أوضحت: “عدتُ إلى بغداد لرؤية أبي بعد تعرضه لوعكة صحية، وأثناء تجولي رأيت الكثير من النساء خرجن للشارع للعمل في ظل تردي الوضع الاقتصادي، ما أشعل شرارة فكرة العمل بسيارة حمل”، لما تمتلكه من خبرة سابقة بهذا العمل في الأردن”.
ولفتت أسيل الموسوي، إلى أن “هذه الفكرة واجهت الكثير من الاعتراضات في بابل تحت عنوان العادات وتقاليد المجتمع، وأول من وقف ضدها كان أبيها الذي تركهم منذ صغرها بلا معيل، وكذلك عمامها الذين قالوا (لا توجد لدينا امرأة تخرج للشارع فكيف تعمل وفوق كل ذلك تعمل بسيارة حمل) لكن والدتها كانت هي السند الوحيد لها، لذلك قررتُ استئجار (كيا حمل) للعمل فيها حالياً 5 شفتات في اليوم، وتجني منها حوالي 150 ألف دينار يومياً، تعطي جزءاً منها لصاحب السيارة نهاية كل شهر”.
وأكدت الموسوي، أنها بهذا العمل تمكنت من أن تعيل أخواتها الخمس ليكملن دراستهن، فالأولى صيدلانية، والثانية طبيبة أسنان، والثالثة طبيبة تخدير، والرابعة تدرس في مرحلة السادس الإعدادي، والخامسة في مرحلة الخامس الإعدادي”.
وعن سبب عدم العمل بشهادة الإعلام، بينت، أن “راتب الإعلام قليل ولا يتناسب مع الجهود التي يبذلها الصحفي والخطر الذي يتعرض له، كما أن معظم القنوات الإعلامية ليست حرة بل هي موجّهة لجهة على حساب أخرى، لذلك قررت الابتعاد عن هذا النوع العمل”.
ويتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر خبر قيادة أسيل الموسوي لسيارة “الكيا الحمل” في محافظة بابل بتباين كبير، إذ رحب عدد منهم وشجعها على العمل، لكن آخرين أبدوا رفضاً فاعتبروا أن هذا العمل للرجال وخاصة أنه يتطلب مجهوداً بدنياً كبيراً.
وتشكّل نسبة النساء العراقيات العاملات في القطاع الخاص، حوالي 29% من المجموع الكلي للعاملين في القطاع، بحسب ورقة بحثية لمركز النهرين للدراسات والأبحاث الاستراتيجية.
وعلى الرغم من أن نسبة النساء في المجتمع العراقي تقارب 49٪ من إجمالي السكان، إلا أن فرصهن في سوق العمل ما تزال ضئيلة، إذ لا تتجاوز نسبة النساء العراقيات العاملات حدود 15% من إجمالي 20 مليون امرأة عراقية، بينما تقع 85٪ منهن ضحايا عوامل موضوعية تحجم دورهن في المجتمع عموماً وسوق العمل تحديداً.
وكان تقرير للبنك الدولي صدر عام 2020، قد أشار إلى أن مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل تعتبر منخفضة، وتشكل أقل من 15٪ فقط، وهذه النسبة تعد من بين أدنى معدلات مشاركة المرأة في العمل على مستوى العالم.