سفيرة الصدر
بقلم: وفاء المياحي
سفيرة الصدر
حين يخنق الطغيان الحناجر ، يُولد صوتٌ من رحم الصمت لا يُشبه سواه .. وكانت العلوية بنت الهدى ذلك الصوت .. لم تكن ظلًا يتبع النور ، بل كانت قبسًا يشتدّ حين يخبو الضوء .
لم تحمل اسم الصدر فقط، بل حملت مشروعه، وصوّرته حيًا في موقف , وناطقًا في لحظة كانت الكلمات فيها تُذبح على أعتاب الخوف .
منذ عام 1972 ، حين اعتُقل السيد محمد باقر الصدر في مستشفى الكوفة ، كانت العلوية تراقب تصاعد قبضة النظام ، وتكتب ملامح التحدي القادم .
وفي عام 1974 ، حين اجتاحت حملة الاعتقالات صفوف الحركة الإسلامية ، وعُلّقت أجساد الشهداء على مشانق الخوف ، أدركت أن الصمت لم يعد خيارًا، وأن المرأة في هذا الزمن يجب أن تكون شاهدًا لا صدى .
عام 1977، حين انتفضت النجف وواجهت السلطة بالشوارع لا بالكتب ، وراح الشباب ضحية تهمة ” الشغب ” اقتربت النار أكثر ، وزادت العلوية صمودًا لا تراجعًا .
ثم جاء عام 1979، عام التحوّل , حين اعتُقل الصدر في 19رجب لم تمكث في بيتها، بل خرجت إلى ضريح أمير المؤمنين ونادت بأعلى صوتها “ أيها الناس ، إن مرجعكم قد اعتُقل ” لم تكن الصرخة عاطفية ، بل استراتيجية ، أطلقت شرارة احتجاجات اجتاحت مدن العراق، وتجاوزت حدوده واهتزّت المدينة، وامتدّ الغضب إلى بغداد، والكاظمية، والسماوة، والفهود، وغيرها… بل إلى خارج العراق: لبنان، البحرين، إيران . وكان صوتها هو أول الثورة .. عندها فرض النظام الإقامة الجبرية على الصدر وعائلته .
ثم في 19 جمادى الأولى سنة 1400هـ، الموافق 5 نيسان 1980 ، اقتيد الشهيد الصدر وأخته العلوية إلى المعتقل وبعد أيام، ارتقى الجسدان ليبقى الموقف .
كانت بنت الهدى سفيرة الصدر ، لا بنسب الدم، بل بنقاء الموقف ، كما كانت زينبُ صدى كربلاء ، كانت هي صوت نيسان… الذي لا يزال يتردّد .